من داخل عالم الإنترنت والقفزة التكنولوجية التي نعيشها جميعا خرج علينا مسلسل تليفزيوني جديد بعنوان " لينك " محذرا من الجانب السلبي في هذا العالم الافتراضي ومخاطر التكنولوجيا الحديثة عن طريق دراما اجتماعية  ، من خلال تعرض رجل بالمعاش وجارته ربة منزل  لجريمة نصب إليكترونية  من خلال سحب أموالهما بالحساب البنكي  عن طريق  رابط وهمي  ، وبالرغم من الإطار الاجتماعي الكوميدي الذي يدور فيه المسلسل إلا أنه حمل في طياته جرعة وعي كبيرة للبسطاء الذين يمكن للصوص الجدد أن يستولوا على أموالهم .

وأعاد هذا العمل للدراما دورها التوعوي الذي غاب عن الكثير من الأعمال الأخرى ،  وذكرنا بأعمال كبيرة لا تزال تعيش في وجدان المشاهد المصري والعربي منها مسلسلات " سر الأرض " و " عائلة ونيس " و " الشهد والدموع " و " الناس في كفر عسكر " و " جمهورية زفتة " و " الاختيار " وغيرها من الأعمال التي حملت رسالة ثقافية في إطار مشاهدها وحلقاتها وعلى لسان أبطالها .. تصب في صالح الوعي الجماعي العام لتنمي جمالا ما وتمحو قبحا مستشري .. تحدثنا مع بعض الفنانين والنقاد حول أهمية مثل هذه الأعمال التي تؤكد على جانب مهم من وظيفة الفن في المجتمع المصري والعربي على السواء ..

" لينك " وجبة فنية متكاملة 

قال الفنان سيد رجب بطل مسلسل "لينك " إن المسلسل يتناول قضية السرقات الإلكترونية باعتبارها أحد الموضوعات المهمة في وقتنا الحالي ، نظرا لتعرض عدد كبير  من المواطنين  لها ، موضحا أن هذه القضية تمثل مدخل المسلسل ولكنها ليست محور الأحداث الوحيد ، حيث يحتوي المسلسل على مضامين كثيرة  اجتماعية و إنسانية متعددة لا تقل أهمية عنها بل تفوها في بعض الأحيان مثل علاقة الأب بأولاده ، وتساؤلات حول أسس التربية الصحيحة.

وأضاف رجب أن العمل يسلط  الضوء على علاقات الجيران بعضهم البعض  بما تحمله من إيجابيات وسلبيات ، إلى جانب قيمة الصداقة ودورها في دعم  الآخرين في حالات الهزيمة أو الانكسار ، كما يناقش تحديات الجيل الجديد  في العمل والدراسة والزواج وغير ذلك ، قائلا : "  لا أبالغ حين أقول إن المسلسل وجبة فنية كاملة مهداة للأسر والجماهير المصرية والعربية .. وهو دور أساسي لنا كفنانين تجاه بلدنا وأهلنا في كل ربوعها " .

الدراما شريك في نشر الوعي 

أكدت الناقدة الفنية دينا شرف الدين أن نشر الوعي يعد من أهم وظائف الثقافة بمختلف عناصرها، وعلى رأسها الدراما التليفزيونية، التي تدخل كل بيت في مصر والعالم العربي ، مشيرة إلى أن التلفزيون المصري، منذ انطلاقه في ستينيات القرن الماضي، حمل على عاتقه مهمة تقديم أعمال درامية متنوعة، تعرض نماذج مجتمعية مختلفة تُبرز السلوك الصحيح في مواجهة السلوكيات الخاطئة، وتسهم في تصويبها من خلال الفن.

وضربت شرف الدين مثالا بمسلسل "سر الأرض" الذي عرض لعدة مواسم عقب صلاة الجمعة، وكان نموذجًا متميزًا في توعية الفلاح المصري بأدق تفاصيل الزراعة وكيفية الحفاظ على الأرض والمحاصيل، محذرًا من الممارسات الخاطئة وأثرها السلبي على الإنسان والمجتمع.

كما أشادت بالأعمال الوطنية مثل "الاختيار"، الذي جاء في فترة حرجة شهدت تصاعد الفكر الإرهابي ومحاولاته النيل من استقرار البلاد، مؤكدة أن المسلسل نجح في فضح زيف هذه الجماعات وكشف جرائمها من قتل وتخريب وتضليل.

وأضافت أن الدراما المصرية قدمت أيضًا أعمالًا اجتماعية تربوية جمعت الأسرة المصرية حولها مثل "يوميات ونيس" وفوازير عمو فؤاد، إلى جانب الأعمال التاريخية التي جسدت بطولات المصريين مثل مسلسل "الفرسان" الذي استعرض شجاعة المصريين في التصدي للتتار، أقوى قوة في العالم آنذاك ، مؤكدة على ضرورة زيادة مساحة الدراما الهادفة التي تغذي الوعي العام وتدعم قيم الثقافة والتنوير، باعتبارهما ركيزة أساسية لحماية الأوطان إلى جانب الجيوش والأسلحة.

عودة الدراما لدورها الطبيعي 

من جانبه ، أكد الناقد الفني والسيناريست سمير الجمل أن عودة الدراما التليفزيونية لأداء دورها الطبيعي في خدمة المجتمع  ونشر الوعي و الجمال تمثل خطوة مهمة معهمة نحو إاستعادة الفن لقيمته و تأثيره الحقيقي  ، مشيرا إلى أن الدراما المصرية يجب أن تواصل رسالتها في تناول مختلف قضايا المجتمع من تعليم ، الصحة  ، التربية الأسرية إلى علاقات الجيران والأصدقاء ، وأخلاقيات التعامل في الشارع والمرافق العامة .

وأشار إلى المرحلة الراهنة تتطلب من كل فرد أن يؤدي دوره في مجاله حتى نرتقي جميعا نحو الأفضل ونمحو كل السلوكيات السلبية ، مضيفا أن المقاومة الحقيقية لكل الشرور لا تكون بالعنف بل بالتوعية والتثقيف ، حيث أصبحت الدارما اليوم أسرع وسيلة لنشر المعلومة لما تمتلكه من انتشار واسع داخل كل البيوت .

واستعرض الجمل نماذجا درامية أسهمت في رفع الوعي في المجتمع مثل " أبنائي الأعزاء شكرا "، " ليالي الحلمية "، " المال والبنون "،" رأفت الهجان "،" عمر بن عبدالعزيز "،"هارون الرشيد"،" القضاء في الإسلام "، بالإضافة إلى " لا إله إلا الله " الذي قدم قصص الرسل والأديان منذ البدء وحتى ظهور الإسلام.

وأشاد السيناريست بمسلسل " الاختيار " واستعراضه للبطولة الحقيقية للشعب المصري وجيشه العظيم ،متوقعا تضاعف الدراما التليفزيونية الإيجابية خلال الفترة المقبلة لتتواكب مع فترة البناء والتعمير والتنمية التي تعيشها البلاد حاليا .